فصل: تفسير الآية رقم (28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (28):

{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)}
قوله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ} أي علوت. {أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} راكبين. {فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} أي احمدوا الله على تخليصه إياكم. {مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ومن الغرق. والحمد لله: كلمة كل شاكر لله. وقد مضى في الفاتحة بيانه.

.تفسير الآية رقم (29):

{وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)}
قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً} قراءة العامة: {مُنْزَلًا} بضم الميم وفتح الزاي، على المصدر الذي هو الانزال، أي أنزلني إنزالا مباركا. وقرأ زر بن حبيش وأبو بكر عن عاصم والمفضل: {منزلا} بفتح الميم وكسر الزاي على الموضع، أي أنزلني موضعا مباركا. الجوهري: المنزل بفتح الميم والزاي النزول وهو الحلول، تقول: نزلت نزولا ومنزلا. وقال:
أأن ذكرتك الدار منزلها جمل ** بكيت فدم العين منحدر سجل

نصب {المنزل} لأنه مصدر. وأنزله غيره واستنزله بمعنى. ونزله تنزيلا، والتنزيل أيضا الترتيب. قال ابن عباس ومجاهد: هذا حين خرج من السفينة، مثل قوله تعالى: {اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} [هود: 48].
وقيل: حين دخلها، فعلى هذا يكون قوله: {مُبارَكاً} يعني بالسلامة والنجاة. قلت: وبالجملة فالآية تعليم من الله عز وجل لعباده إذا ركبوا وإذا نزلوا أن يقولوا هذا، بل وإذا دخلوا بيوتهم وسلموا قالوا.
وروى عن على رضي الله عنه أنه كان إذا دخل المسجد قال: اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين.

.تفسير الآية رقم (30):

{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)}
قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ} 10: 67 أي في أمر نوح والسفينة وإهلاك الكافرين. {لَآياتٍ} أي دلالات على كمال قدرة الله تعالى، وأنه ينصر أنبياءه ويهلك أعداءهم. {وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} 30 أي ما كنا إلا مبتلين الأمم قبلكم، أي مختبرين لهم بإرسال الرسل إليهم ليظهر المطيع والعاصي فيتبين للملائكة حالهم، لا أن يستجد الرب علما.
وقيل: أي نعاملهم معاملة المختبرين. وقد تقدم هذا المعنى في البقرة وغيرها.
وقيل: {إِنْ كُنَّا} أي وقد كنا.

.تفسير الآيات (31- 32):

{ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (32)}
قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ} أي من بعد هلاك قوم نوح. {قَرْناً آخَرِينَ} قيل: هم قوم عاد. {فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} يعني هودا، لأنه ما كانت أمة أنشئت في إثر قوم نوح إلا عاد.
وقيل: هم قوم ثمود {فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا} يعني صالحا. قالوا: والدليل عليه قوله تعالى آخر الآية: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} [المؤمنون: 41]، نظيرها: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} [هود: 67]. قلت: وممن أخذ بالصيحة أيضا أصحاب مدين قوم شعيب، فلا يبعد أن يكونوا هم، والله أعلم. {مِنْهُمْ} أي من عشيرتهم، يعرفون مولده ومنشؤه ليكون سكونهم إلى قوله أكثر.

.تفسير الآيات (33- 35):

{وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)}
قوله تعالى: {وَقالَ الْمَلَأُ} 90 أي الاشراف والقادة والرؤساء. {مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ} يريد بالبعث والحساب. {وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} أي وسعنا عليهم نعم الدنيا حتى بطروا وصاروا يؤتون بالترفة، وهى مثل التحفة. {ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} فلا فضل له عليكم لأنه محتاج إلى الطعام والشراب كأنتم. وزعم الفراء أن معنى: {وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} على حذف من، أي مما تشربون منه، وهذا لا يجوز عند البصريين ولا يحتاج إلى حذف البتة، لان {ما} إذا كان مصدرا لم يحتج إلى عائد، فإن جعلتها بمعنى الذي حذفت المفعول ولم يحتج إلى إضمار من. {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ} يريد لمغبونون بترككم آلهتكم واتباعكم إياه من غير فضيلة له عليكم. {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} أي مبعوثون من قبوركم. و{إِنَّ} الأولى في موضع نصب بوقوع {يَعِدُكُمْ} عليها، والثانية بدل منها، هذا مذهب سيبويه. والمعنى: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم. قال الفراء: وفي قراءة عبد الله {أيعدكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون}، وهو كقولك: أظن إن خرجت أنك نادم. وذهب الفراء والجرمي وأبو العباس المبرد إلى أن الثانية مكررة للتوكيد، لما طال الكلام كان تكريرها حسنا.
وقال الأخفش: المعنى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما يحدث إخراجكم، ف {إِنَّ} الثانية في موضع رفع بفعل مضمر، كما تقول: اليوم القتال، فالمعنى اليوم يحدث القتال.
وقال أبو إسحاق: ويجوز {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}، لان معنى {أَيَعِدُكُمْ} أيقول إنكم.

.تفسير الآية رقم (36):

{هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (36)}
قال ابن عباس: هي كلمة للبعد، كأنهم قالوا بعيد ما توعدون، أي إن هذا لا يكون ما يذكر من البعث.
وقال أبو على: هي بمنزلة الفعل، أي بعد ما توعدون.
وقال ابن الأنباري: وفي {هيهات} عشر لغات: {هيهات لك} بفتح التاء وهى قراءة الجماعة. {وهيهات لك} بخفض التاء، ويروى عن أبى جعفر بن القعقاع {وهيهات لك} بالخفض والتنوين يروى عن عيسى بن عمر. و{هيهات لك} برفع التاء، الثعلبي: وبها قرأ نصر بن عاصم وأبو العالية. و{هيهات لك} بالرفع والتنوين وبها قرأ أبو حيوة الشامي، ذكره الثعلبي أيضا. و{هيهاتا لك} بالنصب والتنوين قال الأحوص:
تذكرت أياما مضين من الصبا ** وهيهات هيهاتا إليك رجوعها

واللغة السابعة: {أيهات أيهات}، وأنشد الفراء:
فأيهات أيهات العقيق ومن به ** وأيهات خل بالعقيق نواصله

قال المهدوي: وقرأ عيسى الهمداني {هَيْهاتَ هَيْهاتَ} بإسكان. قال ابن الأنباري: ومن العرب من يقول: {إيهان} بالنون، ومنهم من يقول: {أيها} بلا نون. وأنشد الفراء:
ومن دوني الأعيان والقنع كله ** وكتمان أيها ما أشت وأبعدا

فهذه عشر لغات. فمن قال: {هَيْهاتَ} بفتح التاء جعله مثل أين وكيف.
وقيل: لأنهما أداتان مركبتان مثل خمسة عشر وبعلبك ورام هرمز، وتقف على الثاني بالهاء، كما تقول: خمس عشرة وسبع عشرة.
وقال الفراء: نصبها كنصب ثمت وربت، ويجوز أن يكون الفتح اتباعا للألف والفتحة التي قبلها. ومن كسره جعله مثل أمس وهؤلاء. قال:
وهيهات هيهات إليك رجوعها

قال الكسائي: ومن كسر التاء وقف عليها بالهاء، فيقول هيهاه. ومن نصبها وقف بالتاء وإن شاء بالهاء. ومن ضمها فعلى مثل منذ وقط وحيث. ومن قرأ: {هيهات} بالتنوين فهو جمع ذهب به إلى التنكير، كأنه قال بعدا بعدا.
وقيل: خفض ونون تشبيها بالأصوات بقولهم: غاق وطاق.
وقال الأخفش: يجوز في {هَيْهاتَ} أن تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث. ومن قرأ: {هَيْهاتَ} جاز أن يكون أخلصها اسما معربا فيه معنى البعد، ولم يجعله اسما للفعل فيبنيه.
وقيل: شبه التاء بتاء الجمع، كقوله تعالى: {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ} [البقرة: 198]. قال الفراء: وكأني أستحب الوقف على التاء، لان من العرب من يخفض التاء على كل حال، فكأنها مثل عرفات وملكوت وما أشبه ذلك. وكان مجاهد وعيسى بن عمر وأبو عمرو بن العلاء والكسائي وابن كثير يقفون عليها {هيهاه} بالهاء. وقد روى عن أبى عمرو أيضا أنه كان يقف على {هيهات} بالتاء، وعليه بقية القراء لأنها حرف. قال ابن الأنباري. من جعلهما حرفا واحدا لا يفرد أحدهما من الأخر، وقف على الثاني بالهاء ولم يقف على الأول، فيقول: هيهات هيهاه، كما يقول خمس عشره، على ما تقدم. ومن نوى إفراد أحدهما من الأخر وقف فيهما جميعا بالهاء والتاء، لان أصل الهاء تاء.

.تفسير الآية رقم (37):

{إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37)}
قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا} {هِيَ} كناية عن الدنيا، أي ما الحياة إلا ما نحن فيه لا الحياة الآخرة التي تعدنا بعد البعث. {نَمُوتُ وَنَحْيا} يقال: كيف قالوا نموت ونحيا وهم لا يقرون بالبعث؟ ففي هذا أجوبة، منها أن يكون المعنى: نكون مواتا، أي نطفا ثم نحيا في الدنيا.
وقيل: فيه تقديم وتأخير، أي إن هي إلا حياتنا الدنيا نحيا فيها ونموت، كما قال: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران: 43].
وقيل: {نَمُوتُ} يعني الإباء، {وَنَحْيا} يعني الأولاد. {وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} أي بعد الموت.

.تفسير الآيات (38- 41):

{إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (39) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)}
قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ} يعنون الرسول. إلا رجل {افْتَرى} أي اختلق. {عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ. قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ} تقدم. {قالَ عَمَّا قَلِيلٍ} 40 أي عن قليل، و{ما} زائدة مؤكدة. {لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ} 40 على كفرهم، واللام لام القسم، أي والله ليصبحن. {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} في التفاسير: صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة واحدة مع الريح التي أهلكهم الله تعالى بها فماتوا عن آخرهم. {فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً} أي هلكى هامدين كغثاء السيل، وهو ما يحمله من بالي الشجر من الحشيش والقصب مما يبس وتفتت. {فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي هلاكا لهم. وقيل بعدا لهم من رحمة الله، وهو منصوب على المصدر. ومثله سقيا له ورعيا.

.تفسير الآيات (42- 44):

{ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (42) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (44)}
قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ} أي من بعد هلاك هؤلاء. {قُرُوناً} أي أمما. {آخَرِينَ} قال ابن عباس: يريد بنى إسرائيل، وفي الكلام حذف: فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم. {ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها} {مِنْ} صلة، أي ما تسبق أمة الوقت المؤقت لها ولا تتأخره، مثل قوله تعالى: {فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]. ومعنى {تَتْرا} تتواتر، ويتبع بعضهم بعضا ترغيبا وترهيبا. قال الأصمعي: وأترت كتبي عليه أتبعت بعضها بعضا، إلا أن بين كل كل واحد وبين الأخر مهلة.
وقال غيره: المواترة التتابع بغير مهلة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: {تترى} بالتنوين على أنه مصدر أدخل فيه التنوين على فتح الراء، كقولك: حمدا وشكرا، فالوقف على هذا على الالف المعوضة من التنوين. ويجوز أن يكون ملحقا بجعفر، فيكون مثل أرطى وعلقى، كما قال:
يستن في علقى وفي مكور

فإذا وقف على هذا الوجه جازت الإمالة، على أن ينوي الوقف على الالف الملحقة. وقرأ ورش بين اللفظتين، مثل سكرى وغضبى، وهو اسم جمع، مثل شتى وأسرى. وأصله وترى من المواترة والتواتر، فقلبت الواو تاء، مثل التقوى والتكلان وتجاه ونحوها.
وقيل: هو من الوتر وهو الفرد، فالمعنى أرسلناهم فردا فردا. النحاس: وعلى هذا يجوز {تترا} بكسر التاء الأولى، وموضعها نصب على المصدر، لان معنى {ثُمَّ أَرْسَلْنا} واترنا. ويجوز أن يكون في موضع الحال أي متواترين. {فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً} أي بالهلاك. {وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ} جمع أحدوثة وهى ما يتحدث به، كأعاجيب جمع أعجوبة، وهى ما يتعجب منه. قال الأخفش: إنما يقال هذا في الشر {جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ} ولا يقال في الخير، كما يقال: صار فلان حديثا أي عبرة ومثلا، كما قال في آية أخرى: {فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19]. قلت: وقد يقال فلان حديث حسن، إذا كان مقيدا بذكر ذلك، ومنه قول ابن دريد:
وإنما المرء حديث بعده ** فكن حديثا حسنا لمن وعى

.تفسير الآيات (45- 48):

{ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (45) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (46) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48)}
قوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ} تقدم. ومعنى {عالِينَ} متكبرين قاهرين لغيرهم بالظلم، كما قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ} [القصص: 4] {فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا} الآية، تقدم أيضا. ومعنى {مِنَ الْمُهْلَكِينَ} أي بالغرق في البحر.